في ظل التقلبات العديدة التي يشهدها العالم، سجل اقتصاد فيتنام في الربع الأول من العام إشارات إيجابية، حيث استمر قطاع الخدمات وصناعة التجهيز والتصنيع في أن يكون المحرك الرئيسي.
لا تزال الصورة الاقتصادية العالمية مليئة بالتحديات، نتيجةً لعدم الاستقرار الجيوسياسي والمخاطر المحتملة، إلا أن الاقتصاد الفيتنامي حقق بدايةً مبهرةً بحلول عام 2025. ووفقًا للبيانات الصادرة مؤخرًا عن مكتب الإحصاء العام، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول بنسبة 6.93% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
زخم نمو متميز
وأشارت السيدة نجوين ثي هونغ، مديرة مكتب الإحصاء العام، إلى أن هذا رقم مشجع وهو أعلى معدل نمو في الربع الأول خلال الفترة الممتدة لخمس سنوات (من 2020 إلى 2025). ويدل هذا على قوة ومرونة الاقتصاد. وتتجاوز هذه النتيجة رسميا هدف النمو المحدد للربع الأول في القرار رقم 01/NQ-CP الذي أصدرته الحكومة.
وتشير البيانات إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول مقارنة بنفس الفترة في الأعوام من 2020 إلى 2024 هو على التوالي: 3.21%؛ 4.85%؛ 5.42%؛ 3.46% و 5.98%. إن الارتفاع الذي بلغ نحو 7% في الربع الأول من هذا العام يُظهر أن الاقتصاد على الطريق الصحيح للتعافي والتسارع بشكل مطرد بعد الأوقات الصعبة.
وقالت السيدة نجوين ثي هونغ: "إن نتائج نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول هي إشارة إيجابية للغاية، وتظهر صحة وفعالية التوجيه والإدارة من قبل الحكومة ورئيس الوزراء، إلى جانب جهود الوزارات والفروع والمحليات ومجتمع الأعمال".
والجدير بالذكر أن معدل النمو هذا تجاوز سيناريو الهدف المحدد في القرار الحكومي رقم 01/NQ-CP بتاريخ 8 يناير 2025 (هدف الربع الأول هو 6.2-6.6%). ومع ذلك، لم يصل هذا الرقم بعد إلى الهدف الأعلى البالغ 7.7٪ للربع الأول المنصوص عليه في القرار رقم 25/NQ-CP بتاريخ 5 فبراير 2025. وفي تفسير ذلك، أشار تقرير مكتب الإحصاء العام إلى أن التغيرات السريعة والمعقدة وغير المتوقعة في الوضع العالمي كان لها تأثير كبير على الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية المحلية.
الخدمات هي محرك النمو
وفي تحليل أعمق لهيكل النمو، قال ممثل مكتب الإحصاء العام إن قطاع الخدمات واصل تأكيد دوره القيادي حيث سجل نموا بنسبة 7.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مساهما بأكبر نسبة في إجمالي زيادة القيمة المضافة للاقتصاد بأكمله (53.74%). وقالت السيدة هونغ إن الإثارة في أنشطة التجارة والسياحة خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة وبعدها إلى جانب الزيادة في عدد الزوار الدوليين إلى فيتنام هي العوامل الرئيسية التي تعزز قطاع الخدمات.
علاوة على ذلك، سجلت صناعة النقل والتخزين نمواً حاداً بنسبة 9.9%، مساهمةً بنحو 0.67 نقطة مئوية؛ وارتفعت تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 7.47%، مساهمةً بنحو 0.83 نقطة مئوية؛ وارتفعت خدمات الإقامة والمطاعم بنسبة 9.31%، مساهمةً بنحو 0.27 نقطة مئوية؛ وارتفعت أنشطة التمويل والمصارف والتأمين بنسبة 6.83%، مساهمةً بنحو 0.41 نقطة مئوية. وسجل قطاع المعلومات والاتصالات نمواً بنسبة 6.66%، مساهماً بنحو 0.45 نقطة مئوية.
ويشار إلى أن قطاع الصناعة والإنشاءات سجل أيضاً معدل نمو إيجابي بلغ 7.42%، مساهماً بنسبة 40.17% من معدل النمو الإجمالي. وعلى وجه الخصوص، تظل صناعة التجهيز والتصنيع القوة الدافعة الأساسية بمعدل نمو مثير للإعجاب يبلغ 9.28% (أعلى من الزيادة البالغة 7.49% في نفس الفترة في عام 2024)، مما يساهم بنحو 2.33 نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما شهد إنتاج وتوزيع الكهرباء (ارتفاع بنسبة 4.60%، بما يساهم بنحو 0.18 نقطة مئوية)، وإمدادات المياه ومعالجة النفايات (ارتفاع بنسبة 8.81%، بما يساهم بنحو 0.05 نقطة مئوية) نمواً إيجابياً. حافظ قطاع البناء على زخم نمو جيد بلغ 7.99% (أعلى من 7.57% في الربع الأول من عام 2024)، مساهماً بنحو 0.48 نقطة مئوية. ويعكس هذا الجهود المبذولة لتعزيز الاستثمار العام وانتعاش سوق العقارات في بعض القطاعات. وسجل قطاع التعدين فقط انخفاضاً سلبياً بنسبة 5.76% وانخفض بنسبة 0.17 نقطة مئوية في النمو الإجمالي.
إلى جانب ذلك، حافظ قطاع الزراعة والغابات والثروة السمكية على دوره كركيزة أساسية للاقتصاد، حيث سجل نمواً بنسبة 3.74%، مساهماً بنسبة 6.09% في إجمالي القيمة المضافة.
وبحسب السيدة هونغ، فقد حققت هذه النتيجة الهدف المحدد، وذلك بفضل استقرار إنتاج المحاصيل، وإنتاج الأخشاب المستغلة، وخاصة زيادة تربية الأحياء المائية. وعلى وجه التحديد، ساعد تطبيق العلم والتكنولوجيا العالية في الإنتاج على تحسين الإنتاجية وجودة المنتجات الزراعية، وتلبية متطلبات الأسواق المحلية والتصديرية بشكل أفضل.
وعلى صعيد الهيكل الاقتصادي في الربع الأول، واصل قطاع الخدمات ارتفاع حصته، حيث بلغت 43.44%، في حين استحوذ قطاع الصناعة والبناء على 36.31%. إلى جانب ذلك، شكل قطاع الزراعة والغابات ومصايد الأسماك 11.56%، وبلغت ضرائب المنتجات مطروحاً منها إعانات المنتجات 8.69% (انخفاضاً من 8.85%). ويظهر هذا التحول اتجاها نحو التطوير العميق وزيادة قيمة صناعات الخدمات والمعالجة.
من حيث استخدام الناتج المحلي الإجمالي، ارتفع الاستهلاك النهائي في الربع الأول بنسبة 7.45% على أساس سنوي، مما يدل على تعافي جيد في القدرة الشرائية المحلية. وعلى وجه التحديد، ارتفع تراكم الأصول (الذي يعكس أنشطة الاستثمار) بنسبة 7.24%. كما سجلت أنشطة التجارة الدولية نشاطاً أيضاً، حيث ارتفعت صادرات السلع والخدمات بنسبة 9.71%، في حين ارتفعت واردات السلع والخدمات بنسبة 12.45%، مما يدل على زيادة الطلب على المواد الخام للإنتاج والاستهلاك المحلي.
التغلب على التحديات العالمية
وثمنت السيدة نجوين ثي هونغ نتائج النمو المذهلة التي تحققت في الربع الأول في سياق الاقتصاد العالمي الذي يواجه صعوبات وعدم يقين لا حصر لها. لقد وضع الوضع الجيوسياسي المعقد وغير المتوقع، وخاصة السياسات التجارية للاقتصادات الكبرى (مثل الولايات المتحدة وردود الفعل من البلدان الأخرى)، ضغوطا كبيرة على تدفقات الاستثمار العالمي والإنفاق الاستهلاكي. وعلاوة على ذلك، لا تزال التوترات المتعلقة بالتعريفات الجمركية وخطر الحرب التجارية قائمة، مما يؤثر سلبا على سلاسل التوريد والنمو الإجمالي.
وعلاوة على ذلك، تتزايد التحديات غير التقليدية (مثل الكوارث الطبيعية وتغير المناخ ذات العواقب الخطيرة المتزايدة) والمخاطر التي تهدد أمن الطاقة والأمن الغذائي والأمن السيبراني. وفي ظل تباطؤ النمو وانخفاض التضخم في الأشهر الأولى من العام، اتجهت العديد من البلدان إلى تخفيف السياسة النقدية لتحفيز ودعم التعافي الاقتصادي.
وفي ظل هذه الظروف، أصبحت العديد من المنظمات الدولية أكثر حذراً في توقعاتها للنمو العالمي لعام 2025. فقد أبقى البنك الدولي والأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 2025 على توقعاتهما للنمو عند 2.7% و2.8% على التوالي. ومع ذلك، بحلول مارس/آذار 2025، قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ووكالة فيتش للتصنيف الائتماني بمراجعة توقعاتهما بالخفض إلى 3.1% و2.3% (بانخفاض 0.2 و0.3 نقطة مئوية على التوالي، عن توقعاتهما السابقة). ويتبنى صندوق النقد الدولي وحده وجهة نظر أكثر تفاؤلاً بعض الشيء، حيث رفع توقعاته للنمو العالمي إلى 3.3% (بزيادة 0.1 نقطة مئوية).
وفي جنوب شرق آسيا، تشير التوقعات إلى تباين أيضاً. ويتوقع البنك الدولي أن ينمو اقتصاد فيتنام بنسبة 6.8% في عام 2025، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي نموا مماثلا للفلبين (6.1%) وإندونيسيا (5.1%)، في حين تتوقع الأمم المتحدة أن يصل النمو في فيتنام إلى 6.5%. وبشكل عام، تقوم جميع المنظمات بتقييم فيتنام باعتبارها واحدة من النقاط المضيئة في النمو في المنطقة، على الرغم من أن مستوى التفاؤل يختلف.
ولتحقيق نتائج إيجابية في الربع الأول، قال رئيس مكتب الإحصاء العام إن الحكومة ورئيس الوزراء الفيتنامي أظهرا تصميما كبيرا ووجها بقوة الوزارات والفروع والمحليات للتركيز على تنفيذ الحلول بشكل متزامن. يركز هذا القرار على التنفيذ الفعال للقرار رقم 01/NQ-CP بشأن المهام والحلول للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في عام 2025، والقرار رقم 02/NQ-CP بشأن تحسين بيئة الأعمال وتعزيز القدرة التنافسية، والتوجيه رقم 03/CT-TTg بشأن المهام بعد تيت وخاصة القرار رقم 25/NQ-CP بهدف السعي لتحقيق نمو سنوي بنسبة 8٪ أو أكثر.
وأكدت السيدة هونغ أن "التوجيه الوثيق والمرن والعملي للحكومة، إلى جانب الوزارات والفروع والمحليات التي تراقب التطورات عن كثب، وتقترح وتنفذ بشكل استباقي الحلول المناسبة، هي العوامل الرئيسية التي تساعد الاقتصاد في الربع الأول على تحقيق نتائج إيجابية".
مصدر
تعليق (0)